التصوّف في قطاع غزة هروب من دين السياسة إلى دين الروح
تقّسم مساجد قطاع غزة بين تنظيمات الإسلام السياسي، فيما يهرب بعض الغزيين إلى الزوايا الصوفية المنتشرة في قطاع غزة هرباً من التدين السياسي الذي أرهقهم إلى الدين الروحاني الخالص.
قطاع غزّة - في أحد زقاق الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة، يتوافد عدداً من سكّان الحي بشكل دوري بعد عصر يوم الجمعة إلى مسجد صغير ليس لأداء أحدى الصلوات الخمس فحسب، إنما لنشيد الابتهالات وأداء "الحضرة" الصوفية، هذا ما يميزه عن باقي مساجد قطاع غرة بالإضافة اللافتة المعلقة في محرابه حيث تشير إلى إتّباعه للطريقة "الشاذلية العلاوية" في التصوف ففي الوقت الذي تخضع فيه مساجد قطاع غزة للتقاسم بين فصائل الإسلام السياسي، حيث تستثمر الفصائل السياسية الإسلامية المساجد كأحد أدوات التواصل مع جماهيرها، كما تستثمر حركة حماس الخطاب الديني لتثبيت سلطتها، من خلال المحافظة على التواصل مع الجماهير العريضة عبر الخطب السياسية التي تؤديها قيادة الحركة في المساجد المنتشرة في شتى مناطق قطاع غزة. فيما يجلس هؤلاء بكل هدوء، بهدف الانصراف عن الدنيوي إلى الروحي.
هذا وتعتبر الصوفيّة أحد المذاهب الإسلاميّة التي انتشرت في العالم الإسلاميّ في القرن الثالث الهجريّ، كنزعات فرديّة تدعو إلى الزهد. ثمّ تطوّرت تلك النزعات بعد ذلك حتّى صارت طرقاً مميّزة ومعروفة، فيما يعتبرها البعض مجرّد ضلال وخزعبلات.
نشطت حركة التصوّف في فلسطين كجزء من التديّن الشعبيّ، واشتهر بعض العائلات الفلسطينيّة بالتصوّف كعائلة الجعبري في الخليل، وعائلتي السعافين والخالدي في قطاع غزّة، وآل المقدسي في القدس، وظلّت محافظة على طابعها كجماعة تربويّة هدفها الأساس الدعوة إلى تربية النفس والبعد عن كلّ ما هو"دنيويّ"، بما في ذلك السياسة. ويعود أصل الطريقة "الشاذلية العلاوية" إلى الشيخ أحمد بن عليوة المعروف بـ"العلاوي"، حيث ولد في مستغانم في الجزائر في عام 1869، وطاف بقاع الأرض داعياً إلى التصوّف، لا سيّما بلاد المغرب العربيّ والشام وفلسطين. وفي كلّ منطقة حلّ بها، كان يعطي الأذن والبيعة لرجل يراه مؤهّلاً لتأسيس زاوية صوفيّة على طريقته.
وفي الحديث عن تاريخ تأسيس الزاوية يذكر الشيخ سمير الخالدي "للمونتيور" "في عام 1942، أسّس جدي ابراهيم الخالدي زاوية صوفيّة تتبع تتبع إلى الطريقة "الشاذليّة العلاويّة" في قرية الكراتيا التي تبعد عن مركز مدينة غزّة 29 كيلومتراً من جهة الشمال الشرقيّ."
ويتابع "في 18 تمّوز/يوليو 1948، دمّرت قرية كرتيا، وهجّر سكّانها على يدّ قوّة عسكريّة صهيونيّة، وعلى أثر ذلك، انتقلت عائلتنا للعيش في مخيّم الشاطئ غرب مدينة غزّة، لنعيد تأسيس الزاوية في المخيّم في عام 1967، وكانت معروفة بـ"زاوية البحر". وبعد وفاة جدي، انتقلت "الأهليّة" إلى والدي الشيخ موسى، الذي انتقل إلى العيش في حيّ الشيخ رضوان وسط مدينة غزّة، واقتطع جزءاً من بيته في أحد أزقّة الحيّ، وشيّد "الزاوية" في عام 1988، حيث أصبحت جزءاً من تراث العائلة" فمنذ وفاة والده في عام 2010، يقوم إبنه الشيخ سمير البالغ من العمر 60 عاماً برعاية "الزاوية" وخدمتها إلى الآن
وكان "الموينتور " قد زار الزاوية المذكورة في يوم الجمعة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حيث بدأ المريدون – الإسم الذي تطلقه الصوفيّة على زوّار زواياها- التجمّع بعد صلاة العصر، يجلسون متربّعين حول بعضهم ليشكّلوا دائرة يترأّسها الشيخ سمير الذي يجلس في محراب "الزاوية"، ويفتتح الجلسة أحد المريدين بإنشاد "مدائح نبويّة" من كتاب قديم قال الشيخ سمير لـ"المونيتور" إنّ نصوصها المتلاة تنسب إلى الشيخ أحمد بن عليوة مؤسّس الطريقة "الشاذليّة العلاويّة".
بعد إنهاء كامل الطقوس، تحدّث الشيخ سمير إلى "المونيتور" حول رسالة الصوفيّة كجماعة دينيّة ترفض كلّ أنواع العنف، وتفضّل الابتعاد عن السياسة، وتعتبر "تربية الروح والنفس" الرسالة التي تدعو إليها، معتبراً أنّ هذه الطقوس الجسديّة والأناشيد طريقتهم لتهذيب النفس واستحضار حالة من "الحبّ الإلهيّ".
ويعتقد الشيخ سمير "أن الجماعات الصوفية في قطاع غزة لا تتعرض للمضايقات من قبل أجهزة الأمن لأنها جماعة لا تطلب السلطة ولا تسعى إليها، فلا تمثل منافساً ولا تشكل خطراً على تنظيمات الاسلام السياسي الأخرى"
في "الزاوية" نفسها، قابل "المونيتور" الشابّ محمود بشير (23 عاماً)، وهو يتردّد على "الزاوية" من حين إلى آخر ليشاركهم الطقوس، ويعتبر ذلك نوعاً من التفريغ النفسيّ وتهذيب النفس، ويفضّل ويفضل هذا المسجد/الزاوية كونها أكثر تصالحاً مع الأناشيد والموسيقى، علاوة على أنّها لا تتدخّل في السياسية ولا استمع فيها سوى للخطب الروحانية فلست مجبوراً على سماع الخطب الحزبية" .
على الرغم من أنّ للصوفيّة مريديها وأتباعها المنتشرين في قطاع غزّة، إلّا أنّ للبعض رأي آخر، فيرى الشاب عاهد نظمي (23 عاماً) أنّ "الصوفيّة في قطاع غزّة لا تتعدّى كونها مجموعة من الخزعبلات والضلالات المخالفة للدين الإسلاميّ". ويسكن نظمي بالقرب من إحدى الزوايا الصوفيّة التي تقع في منطقة القرارة في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزّة، ويدرس في جامعة الأزهر في غزّة، في كليّة الآداب-قسم التاريخ.
وفي هذا السياق، قال مفتي محافظة غزّة الشيخ حسن اللحّام لـ"المونيتور" إنّه لا يمتلك اطّلاعاً كاملاً على نشاط الجماعات الصوفيّة في قطاع غزّة، لكنّ المعيار لأيّ جماعة إسلاميّة هي موافقتها تعاليم القرآن والسنّة النبويّة، وفضّل الحديث في شكل عام من دون التطرق إلى أيّ تفاصيل.
على الرغم من اختلاف الآراء حول الصوفيّة في قطاع غزّة بين القبول والرفض، يبقى التصوّف جزءاً من التديّن الشعبيّ، تنتشر "زواياه" في غالبيّة المدن الفلسطينيّة، وله أتباعه ومريدوه حيث يهربون إليها من السياسية التي أرهقتهم ا إلى ما هو روحاني خالص.