غزة تحتفل بفرحة غامرة بانتهاء أطول حرب بين إسرائيل وحماس
ورغم أن خسائرهم لا يمكن إحصاؤها، إلا أن سكان غزة شعروا بفرح غامر عند الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.
دير البلح، قطاع غزة ـ كانت لحظة ظن كثيرون أنها لن تأتي. فقد استقبل أهل غزة خبر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بفرحة غامرة بعد ما يقرب من 470 يوماً من الحرب، وهي الأطول بين الطرفين.
امتلأ الهواء هنا في دير البلح بأصوات الهتافات والزغاريد، حيث تجمعت العائلات لتبادل العناق والتهاني مساء الأربعاء. وترددت أصوات المكالمات والرسائل بين الأصدقاء والأقارب، فأعادوا اكتشاف شعورهم بالفرح الذي فقدوه منذ زمن طويل.
وارتفعت صيحات "الحمد لله" في أرجاء الأحياء.
في 15 يناير/كانون الثاني، توصلت إسرائيل وحماس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، مما أنهى 15 شهرًا من الصراع الذي خلف دمارًا واسع النطاق وخسائر فادحة في الأرواح في جميع أنحاء قطاع غزة.
الفرح مختلط بالألم
في خيمة صغيرة شرقي النصيرات وسط قطاع غزة، جلس أحمد الهنا وحيداً مع صورة زوجته وطفليه، الذين قتلوا جميعاً في غارة جوية إسرائيلية على سوق مزدحم في أغسطس/آب الماضي.
"عندما سمعت إعلان وقف إطلاق النار، شعرت بفرحة عارمة ممزوجة بألم عميق. أنا سعيد لأن القتل سيتوقف أخيرًا، لكنني أتساءل ماذا يعني وقف إطلاق النار لشخص فقد عائلته ومنزله"، قال هناء للمونيتور وهو يتأمل صورة أحبائه.
وقال "ليس أمامي خيار سوى المضي قدمًا"، مضيفًا "لا يمكنني أن أسمح لذكرياتهم أن تُدفن معي في هذه الخيمة".
"نحن نريد فقط أن نعيش بكرامة. لم تترك لنا الحرب سوى الألم، لكننا شعب لا يفقد الأمل". ويرى أن اتفاق وقف إطلاق النار هو "بداية حياة جديدة".
في أحد مراكز الإيواء المكتظة بالنازحين في بلدة المواصي غرب خانيونس جنوب القطاع، كانت سلمى عبود تحزم حقيبتها الكبيرة استعداداً للعودة إلى مدينة غزة التي فرت منها خلال الحرب.
رأت عبود، التي تمت خطوبتها قبل أسبوع واحد فقط من اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أحلامها تتحطم عندما نزحت عائلتها مرارًا وتكرارًا وتحول منزلها الزوجي إلى أنقاض.
"كنت أحلم بارتداء فستان أبيض منذ أن كنت طفلة، كنت أخطط أنا وخطيبي لإقامة حفل زفاف كبير، لكن الحرب جاءت وسرقت كل أحلامنا"، قالت عبود للمونيتور.
ومع كل قصف جديد، كانت تخشى أن تفقد خطيبها أو أحد أفراد أسرتها. وتقول: "الحمد لله أنني ما زلت على قيد الحياة، وخطيبي وأسرتي في أمان. هذا هو الأمر الأكثر أهمية الآن ــ لا شيء أثمن من الحياة".
ومع إعلان وقف إطلاق النار، شعر عبود ببصيص من الأمل. "عندما سمعت الخبر، بكيت فرحًا. أخيرًا انتهى الكابوس. صحيح أن منزلنا دُمر، لكننا سنعيد بنائه، لبنة تلو الأخرى".
في خيمة مهترئة غرب مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، جلست أم عمار العايدي ترتشف كوباً من الشاي، محاولة تهدئة أعصابها بعد ساعات طويلة من الاستماع إلى الراديو، في انتظار إعلان وقف إطلاق النار.
وقالت لـ"المونيتور": "عندما سمعت أن وقف إطلاق النار سيُعلن اليوم، لم أصدق ذلك. خشيت أن تكون مجرد شائعة أخرى، لكنني لم أترك الراديو حتى أُعلن الخبر الرائع أخيراً".
شوارع غزة الآن 🇵🇸🔻 pic.twitter.com/nZ4xRcda56
— غزة الآن – غزة الآن (@nowgnna) 15 يناير 2025
أمسكت عيدي بيد ابنتها الصغيرة وخرجت من خيمتها للانضمام إلى جيرانها. اقتربت منها إحدى الجيران، أم أحمد، وقالت: "أخيرًا، أم عمار، سنعود إلى شمال غزة. سنعود إلى حارتنا وأرضنا".
أمام أنقاض مبنى حديث في مدينة غزة كان في السابق المقر الرئيسي لشركته المتخصصة في البرمجة والتصميم والتطوير الرقمي، وقف يوسف الخالدي أمام المبنى الذي بناه، والذي دمرته الغارات الجوية الإسرائيلية.
"لقد أخذت الحرب الكثير مني، لكنها لم تستطع أن تأخذ شغفي وطموحي"، هكذا قال الخالدي للمونيتور. "صحيح أن شركتي دمرت، لكنني ما زلت أعتقد أنني أستطيع أن أبدأ من جديد".
وقد بدأ الخالدي بالفعل في وضع الخطط لإعادة بناء شركته. ويقول: "سأبدأ من الصفر، حتى لو كان ذلك في غرفة صغيرة في منزلنا. وسأحاول جمع الفريق مرة أخرى، وسنعمل معًا لإعادة بناء ما فقدناه".
حصيلة الحرب
وقال إسماعيل الثوابتة، مسؤول حركة حماس ومدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، لـ«المونيتور»: «إن إعلان وقف إطلاق النار كان بمثابة حلم لشعب غزة».
وقال إنه على الرغم من انتهاء الحرب، إلا أنها "تركت وراءها آلامًا وجروحًا عميقة سيستغرق شفاءها عقودًا من الزمن".
بدأت الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد أن شنت حماس هجوما عبر الحدود على جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، واحتجاز 250 آخرين كرهائن.
وبحسب ثوابتة، قُتل خلال الحرب نحو 47 ألف شخص، بينهم أكثر من 17 ألف طفل و12 ألف امرأة، وأضاف أن 110 آلاف أصيبوا بجروح، فيما لا يزال 11 ألف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض.
وأضاف أن الحملة الإسرائيلية دمرت أكثر من 160 ألف وحدة سكنية بشكل كامل، ودمرت 86% من أراضي غزة، وقدر الخسائر المباشرة الأولية للحرب بنحو 37 مليار دولار.
وحول جهود إعادة الإعمار، قال ثوابتة: "إن انتهاء القصف لم ينهِ فعلياً أزمة الناس الذين فقدوا منازلهم، مما يجعل إعادة الإعمار على رأس الأولويات لإعادة الأمل والاستقرار إلى القطاع".
وشدد ثوابتة على ضرورة عقد مؤتمر دولي عاجل لتسريع جهود إعادة الإعمار وتوفير التمويل لتعويض المتضررين.