تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
Analysis

انقسام السعودية مع برايس ووترهاوس كوبرز يشير إلى التحول إلى الاستشارات المحلية: ما الذي يجب معرفته

Amal Altwaijri
أبريل 13, 2025
NEW YORK, NEW YORK - SEPTEMBER 12: People walk by PricewaterhouseCoopers (PwC) New York headquarters after the company announced a major restructuring on September 12, 2024 in New York City. PwC LLP will let go of up to 1,800 US employees next month as the accounting firm shifts to in-house technology developers and streamlines its advisory practice. (Photo by Spencer Platt/Getty Images)
أشخاص يسيرون أمام المقر الرئيسي لشركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) في نيويورك بعد أن أعلنت الشركة عن إعادة هيكلة كبرى في 12 سبتمبر 2024 في مدينة نيويورك. — سبنسر بلات/صور جيتي

إن ما يُشاع عن تداعيات الخلاف بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة الاستشارات العالمية العملاقة برايس ووترهاوس كوبرز ليس تعديلًا تعاقديًا روتينيًا، بل يعكس واقعًا هيكليًا أعمق، ألا وهو إعادة تقييم متعمدة لنهج المملكة تجاه كفاءة القطاع العام، وتحسين المالية العامة، والاعتماد الاستراتيجي على الذات.

التحول التدريجي في السياسة

منذ عام ٢٠١٩، صدر مرسوم ملكي يلزم الجهات الحكومية بتقليص تعاملها مع شركات الاستشارات الأجنبية بشكل كبير، مع السماح بمثل هذه الشراكات فقط في ظروف محددة بدقة، حيث لا تتوفر الإمكانات المحلية. هذه السياسة، بعيدًا عن كونها رد فعل، هي جزء من استراتيجية وطنية طويلة الأجل تهدف إلى تعزيز كفاءة ومساءلة إنفاق القطاع العام والاستثمار في رأس المال الفكري الوطني.

تعكس هذه السياسة، في جوهرها، تحولاً أوسع نطاقاً في كيفية تعريف المملكة العربية السعودية للقيمة والسيادة والمساءلة ضمن إطارها المؤسسي. وقد دُفع هذا التحول بسعي دؤوب لتحقيق كفاءة الحكومة والعائد المالي على الاستثمار. منذ عام ٢٠١٧، حققت المملكة العربية السعودية وفورات تراكمية بلغت ١٫١٥ تريليون ريال سعودي (حوالي ٣٠٦٫٦ مليار دولار أمريكي) من كفاءة القطاع العام، كما ورد في منتدى كفاءة الإنفاق الحكومي في نوفمبر ٢٠٢٤. ويُعد هذا جزءاً من جهد منسق لتحسين الإنفاق الحكومي، والحد من التسرب المالي، وتوجيه الموارد نحو الأولويات الوطنية ذات الأثر الكبير. ولم يكن قطاع الاستشارات، الذي كان في السابق مستفيداً رئيسياً من الإنفاق العام، بمنأى عن التدقيق في هذا الصدد.

في الواقع، على مدى العقد الماضي، لعبت شركات الاستشارات الأجنبية دورًا بالغ الأهمية في صياغة برامج التحديث في المملكة العربية السعودية. ووفقًا لتقرير صادر عن شركة Source Global Research، قفز سوق الاستشارات في المملكة إلى 4.3 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مُرسخًا مكانته كأكبر سوق بين دول مجلس التعاون الخليجي. وقد انخرطت شركات مثل PwC وMcKinsey وBCG وغيرها بعمق في هيكل رؤية 2030، بدءًا من المشاريع العملاقة، مثل نيوم، ووصولًا إلى جهود إعادة الهيكلة المؤسسية في مختلف الوزارات. ومع ذلك، لم يعد السؤال المطروح بشكل متزايد في دوائر صنع القرار هو من يُقدم الاستشارات، بل ما هي القيمة المُقدمة وبأي تكلفة.

لقد نشأ نظام تعاقد قائم على الأداء حيث يتم التركيز على السمعة العالمية. لم يعد كافياً لتبرير استمرارية التعاون. رسالة المملكة لجميع الموردين الخارجيين واضحة : إذا لم يكن عملكم مؤثراً بشكل واضح، ومنسجماً استراتيجياً، ومرتكزاً على نقل المعرفة، فلن يُحفظ لكم مكانتكم.

كشف هذا التحول الاستراتيجي عن تحديات ثقافية وسمعية لطالما ارتبطت بشركات الاستشارات الدولية. وقد أصبح من الشائع بين أصحاب المصلحة المحليين أن العديد من المستشارين الأجانب يركزون على إنهاء عرض يوم الخميس أكثر من البقاء حتى يوم الجمعة، متلهفين للحاق برحلة جوية لتناول مشروب. رغم أن هذه التصورات غير رسمية، إلا أنها تُبرز المخاوف العميقة من افتقار بعض الاستشاريين إلى الالتزام طويل الأمد، واستمرارية العمليات، والحساسية للأولويات المحلية. وتشير إعادة التقييم الجارية حاليًا إلى رغبة في استبدال هذه الديناميكية التفاعلية بشراكات راسخة وطويلة الأمد، تُسترشد بالأولويات الوطنية والمساءلة.

الخبرة الوطنية، والمحتوى المحلي، والقيمة الدائمة

ولإضفاء الطابع المؤسسي على هذا التحول، تقدمت الحكومة السعودية بسياسة سعودة منظمة - تأميم قطاعات معينة من خلال الحصص - في قطاع الاستشارات، يُلزم الشركات بزيادة توظيف المواطنين السعوديين في الوظائف الاستشارية الأساسية. في أبريل 2023، فرضت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أن يشغل السعوديون 35% من الوظائف الاستشارية، على أن تُرفع هذه النسبة إلى 40% في مارس 2024. يتجاوز هذا إصلاح سوق العمل ليُشكل استراتيجيةً مدروسةً لتعزيز رأس المال الفكري الوطني، وترسيخ الرؤى الاستراتيجية في المؤسسات المحلية، وضمان أن يُسهم المهنيون ذوو المصلحة في نجاح المملكة في قيادة عملية صنع السياسات المستقبلية.

إن توطين قطاع الاستشارات ليس مجرد ممارسة امتثال، بل هو إعادة تنظيم استراتيجي يتحدى الافتراض الراسخ، وإن كان قد عفا عليه الزمن، بأن الخبرة الأجنبية متفوقة بطبيعتها. لم يكن هذا التصور نابعًا من نقص الكفاءات السعودية، بل من نماذج التعاقد القديمة التي همّشت المواهب الوطنية لصالح العلامات التجارية العالمية. واليوم، تسعى المملكة إلى تفكيك هذا النموذج واستبداله. بدعم من منظومة تعليمية متينة وإطار سياسات مصمم لدمج المحتوى المحلي في الوظائف الاستراتيجية، تعمل المملكة العربية السعودية على توجيه مواهبها إلى مناصب قيادية لضمان ألا يقتصر دور العمل الاستشاري على تقديم قيمة مضافة فحسب، بل أن يتم تطويره من الداخل أيضًا.

يرتكز سعي المملكة العربية السعودية لتوطين قطاع الاستشارات على قوة قاعدة المواهب الوطنية المتطورة بشكل متزايد. اعتبارًا من عام 2023، التحق مليونا سعودي بالتعليم العالي، بدعم من استثمار حكومي قدره 189 مليار ريال (50.4 مليار دولار). يؤتي هذا الاستثمار ثماره، حيث يتخرج أكثر من 65 ألف طالب سنويًا في تخصصات الأعمال والإدارة والقانون، وهي مجالات محورية في قطاع الاستشارات. كما تُظهر بيانات وزارة التعليم أن أكثر من 38 ألف طالب قد أكملوا شهاداتهم في التخصصات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في عام 2023، مع تسارع عدد الخريجين بمعدل نمو سنوي يزيد عن 71.6% منذ عام 2021، وهو مؤشر على مكانة المملكة في القطاعات ذات المهارات العالية والقائمة على المعرفة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من التقدم الملحوظ في توطين القوى العاملة الاستشارية، لا تزال العوائق الهيكلية أمام الترقي الوظيفي داخل الشركات الدولية العاملة في المملكة قائمة. وفي حين نجحت حصص التوطين في زيادة الحضور العددي للمهنيين السعوديين في مختلف وظائف الاستشارات، إلا أن الوصول إلى المناصب القيادية، لا سيما على مستوى الإدارة والشراكة، لا يزال متركزًا بشكل غير متناسب بين المواهب الأجنبية. وهناك إدراك متزايد بين قادة الشركات لضرورة توطين سلطة اتخاذ القرار. ومع ذلك، لا تزال مسارات التقدم محكومة بالتسلسلات الهرمية الداخلية والديناميكيات التنظيمية الغامضة، والتي غالبًا ما تتشكل من خلال السياسات الخارجية للشركات بدلاً من الأداء المحلي ومواءمة السياسات. ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من تزايد حضور المواطنين السعوديين داخل هذه الشركات، إلا أن قدرتهم على الصعود إلى الأدوار الاستراتيجية التي تشكل اتجاه الشركة وتفاعل العملاء لا تزال محدودة.

يُمثل هذا التباين تحديًا طويل الأمد: لا يمكن تحقيق التوطين الحقيقي بمجرد تلبية نسب التوطين المطلوبة. يجب على شركات الاستشارات تمكين المهنيين السعوديين بفعالية من قيادة المشهد الاستشاري والتأثير فيه وإعادة تشكيله من الداخل. وبينما بدأت سياسات التوطين هذا التحول، أصبح من واجب شركات الاستشارات الآن إدراك الحاجة إلى تغيير هيكلي أعمق والعمل على تلبيتها. مع مرور الوقت، من المرجح أن تصبح المطالبات الموجهة نحو السياسات بزيادة التوطين أكثر صرامة، مما يدفع الشركات إلى التكيف ليس فقط في المستويات الدنيا، بل في جميع مناصب القيادة وصنع القرار.

لا ينبغي النظر إلى تحول المملكة العربية السعودية على أنه رفضٌ للخبرة الدولية، بل هو إعادة تنظيم للتوقعات والمساءلة. لا يزال للشركات الاستشارية الأجنبية دورٌ تؤديه، ولكن فقط عندما تثبت فعاليتها. المملكة لا تنعزل عن العالم، بل تُوسّع نطاق المنافسة لمن هم مستعدون للتوافق مع أولوياتها الاستراتيجية مع الحفاظ على المساءلة.

إن القصة الحقيقية، إذن، ليست من يغادر، بل من يرتفع لتلبية المعايير.

Related Topics