مسرحية لبنانية تستكشف الصراع بين المنفى والبقاء في لبنان
يعرض حالياً في بيروت فيلم "طربوش جديد معلك"، الذي يجسد النضال الدائم في المنفى والذي ظل يتردد صداه لدى كل لبناني منذ ما يقرب من خمسة عقود.

بيروت - عُرضت مسرحية لبنانية على مسرح مونو في بيروت يوم الأربعاء، حيث تجسد النضال المستمر في المنفى والذي ظل يتردد صداه لدى أجيال من اللبنانيين منذ ما يقرب من خمسة عقود.
"طربوش جديد معلك" فيلم كوميدي رومانسي من تأليف الممثلة والكاتبة اللبنانية مروة خليل وإخراج رياض شيرازي، يتناول موضوعات الرحيل والبقاء، ويمزج بين الفكاهة والحنين ليعكس الذاكرة الجماعية اللبنانية للهجرة مع الاحتفال بالصمود.
وانعكاساً لنجاحها، تم تمديد عرض المسرحية التي تبلغ مدتها 75 دقيقة، والتي بدأت عرضها في 12 سبتمبر/أيلول، حتى 5 أكتوبر/تشرين الأول، حيث تلقى صدى لدى كل لبناني واجه الصراع الذي لا ينتهي بين البقاء أو المغادرة وسط الأزمات والحروب.
يروي مسلسل "طربوش جدّه معلّك" قصة هالة (خليل) وإبراهيم (جنيد زين الدين)، صديقا طفولة نشآ في ملجأ خلال ثمانينيات القرن الماضي خلال الحرب الأهلية اللبنانية. تتطور علاقتهما في النهاية إلى قصة حبّ تشوبها دويّ الانفجارات وانعدام الاستقرار وانعدام الأمن، مما يدفع هالة ووالديها إلى الرحيل إلى باريس.
فيما يلي عودة ومغادرة مستمرة أثناء انتقال هالة من باريس إلى كندا إلى دبي، ثم عائدًا إلى بيروت خلال فترات استقرار قصيرة أعقبتها خيبة أمل. تُصوّر المسرحية إبراهيم على أنه الشخص الذي يبقى، لا يفقد إيمانه بوطنه أبدًا.
تدور أحداث المسرحية بين عامي 1975 و2025، وتتتبع صعود وهبوط رحلات حلا وإبراهيم - مثل تاريخ لبنان المضطرب - في حياتهم اليومية أثناء الحرب الأهلية؛ والغزو الإسرائيلي في عام 1982؛ واتفاقية الطائف عام 1989 التي مثلت بداية نهاية الحرب الأهلية. الحرب؛ الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي استمر 17 يومًا ضد حزب الله في عام 1996؛ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000؛ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005؛ حرب إسرائيل وحزب الله عام 2006؛ الانهيار المالي عام 2019 والاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تلتها؛ وينتهي بانفجار ميناء بيروت عام 2020 والحرب الإسرائيلية الأخيرة التي استمرت 13 شهرًا وانتهت في نوفمبر 2024.
ويترك الفيلم الجمهور مع شعور مألوف: المعضلة الدائمة بين البقاء في بلدهم على أمل مستقبل أفضل، أو المغادرة بحثًا عن الأمن وراحة البال في الخارج - وهو صراع داخلي واجهه كل لبناني في مرحلة ما من حياته.
تشير مسرحية "طربوش جدّي معلق" إلى المثل الشعبي "طربوش جدّي معلق على التوتة"، أي أن جذور المرء ملتصقة بالوطن. ولعلّ حذف "شجرة التوت" من عنوان المسرحية يوحي بأن مصير لبنان لا يزال معلقًا ومُبهمًا.
صراع لبنان مع الهجرة
شهد تاريخ لبنان موجات هجرة عديدة. في أواخر القرن التاسع عشر، عندما كان البلد تحت الحكم العثماني، بدأ مئات الآلاف بالهجرة إلى الأمريكتين بحثًا عن فرص عمل. ودفعت المجاعة والاضطهاد ودمار الحروب العالمية لاحقًا المزيد من اللبنانيين إلى البحث عن حياة أفضل في الخارج.
حدثت هجرة جماعية أخرى خلال الحرب الأهلية اللبنانية وبعدها، ومرة أخرى عقب الأزمة الاقتصادية عام ٢٠١٩ والاضطرابات السياسية والأمنية التي تلتها. وبينما عاد الكثيرون، استقر آخرون في الخارج - لا سيما في كندا وأستراليا وبعض الدول الأوروبية، بما فيها فرنسا وألمانيا.
يُعتقد أن لبنان يضم أحد أكبر تجمعات الشتات اللبناني في العالم، حيث يتجاوز عدد اللبنانيين وأحفادهم الذين يعيشون في الخارج عدد السكان المحليين بكثير.
وفي حين لا توجد إحصاءات رسمية عن الهجرة، فإن الدراسات والتقديرات تشير إلى أن عدد المغتربين اللبنانيين وأحفادهم يتراوح بين 4 ملايين و15 مليون نسمة، مقارنة بـ5.8 مليون لبناني يعيشون في بلادهم.
ويوجد أكبر تجمع للأشخاص من أصل لبناني أو مواليد لبنان في البرازيل، حيث تشير تقديرات المعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاء إلى أن هناك 2 مليون شخص من أصل لبناني في البلاد.
وتشمل الدول الأخرى التي تضم جاليات لبنانية كبيرة الولايات المتحدة، حيث يبلغ عدد الأشخاص من أصل لبناني حوالي 500 ألف شخص وفقاً لمكتب الإحصاء الأمريكي؛ وفرنسا، حيث يتراوح عددهم بين 200 ألف و300 ألف شخص؛ وأستراليا، حيث يبلغ عدد الأشخاص من أصل لبناني حوالي 250 ألف شخص - بما في ذلك حوالي 87 ألف شخص ولدوا في لبنان، وفقاً لتعداد أستراليا لعام 2021؛ والمملكة العربية السعودية، التي تستضيف ما يقدر بنحو 300 ألف عامل لبناني، وفقاً للسفارة اللبنانية في الرياض.
واستقر عشرات الآلاف من اللبنانيين أيضاً في القارة الأفريقية، كما هو الحال في ساحل العاج وغانا ونيجيريا.
قبل أشهر من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أجرى الباروميتر العربي مقابلات مع 2400 مواطن لبناني بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان حول خياراتهم في الهجرة. وخلص الاستطلاع إلى أن 38% من المشاركين أعربوا عن رغبتهم في مغادرة البلاد - وهي النسبة نفسها المسجلة عام 2022، ولكنها أعلى من 26% المسجلة عام 2018.
وبحسب إحصاءات أصدرتها شركة الأبحاث والاستشارات الإقليمية الدولية للمعلومات ومقرها بيروت في عام 2022، بلغ عدد المهاجرين اللبنانيين منذ بداية عام 2020 وحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021، 77777 فرداً، مقارنة بـ17721 فرداً في عام 2020.
بين عامي 2018 و2021، هاجر وسافر من لبنان 195,433 لبنانياً، بحسب البيانات ذاتها.